الاسلام واحترامه للعقل البشري والحركية في التعاليم الالهيه
الأحد مايو 25, 2008 11:36 am
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا ما رغب قانون يتسم بالخلود، في الاحاطه بجميع مراحل الحياه المتحوله، و في ايجاد حلول ناجعه لمشكلات الانسان بما يتناسب و طبيعه كل مشكله؛ فلا مفر له من التحلي بنوع من الديناميكيه و المرونه، متخلياً عن الخشونه و الجمود الذي يرفض المرونه و مواكبه العصر.
و فيما يلي نريد ان نري كيف ان الاسلام، مع الحفاظ علي اصل «حلال محمد حلال الي يوم القيامه، و حرام محمد حرام الي يوم القيامه»، يقدم حلو لا متنوعه لصور الحياه المختلفه، فلا ريب في وجود اسرار كامنه اتسم بها نظام التشريع الاسلامي، تمكنه من التغلب علي هذه المشكله المستعصيه.
ان رموز و اسرار روح الاسلام المنطقيه، كامنه في ارتباطه الكامل بفطره الانسان و طبيعه المجتمع و العالم.. اذ ان الاسلام اعلن صراله من خلال تشريعاته و احكامه، عن احترامه للفطره و ارتباطه بالقوانين الفطريه. و هذا ما أهله لان تحظي تشريعاته بالبقاء و الخلود.
و بامكاننا التعرف علي مدي ارتكاز الاسلام و استناده الي الفطره و ارتباطه بها، من خلال الخصوصيات التاليه:
اولاً: قبول العقل و ادخاله في حريم الدين: لا يوجد دين يؤمن بالعقل و يرتبط به ارتباطاً وثيقاً، كالدين الاسلامي.. فهل يمكن العثور علي دين يعرف العقل كواحد من مصادر احكامه؟ لقد حدد فقهاء الاسلام مصادر الشريعه و ادلتها في اربعه: الكتاب و السنه و الاجماع و العقل؛ لانهم يؤمنون بالعلاقه الوثيقه بين الشرع و العقل. و قد اطلقوا عليها اسم «قاعده الملازمه»، اذ يقولون: «كل ما حكم به العقل حكم به الشرع؛ و كل ما حكم به الشرع حكم به العقل».
ان العقل بامكانه ان يكتشف قانوناً في الفقه الاسلامي، كما يتمكن من تقييده و تحديده او تعميمه. كذلك باستطاعته ان يكون مرشداً جيداً في الاستنباط من المصادر و الادله الاخر.. و ان هذه المكانه التي يوليها الاسلام للعقل نابغه من كون الاحكام الاسلاميه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بواقع الحياه، اذ ان الاسلام لم يطرح تعاليمه بصوره رموز غامضه مستعصيه علي الحل.
ثانياً. الشموليه، و حسب تعبير القرآنت «الوسطيه». ان التوجه الاحادي لاي قانون او مذهب، يقود دائماً الي نسخه و اضمحلاله، لان العومل المؤثره و المتحكمه في حياه الانسان كثيره جداً؛ و ان تجاهل اي واحد منها يؤدي بصوره تلقائيه الي عدم التوازن و التعادل. و من اهم مستلزمات البقاء و الخلود، الالتفات الي الجوانب الماديه و الروحيه و الفرديه و الاجتماعيه و الاهتمام بها. و ان شموليه التعاليم الاسلاميه و جامعيتها، محل تأييد علماء الاسلام كافه.
ثالثاً. لم يهتم الاسلام مطلقاً بمظاهر الحياه و شكلها و صورتها؛ بل اولت التعاليم الاسلاميه اهتماماً بالروح و المعنويات، و بالسبيل الذي يأخذ بيد الانسان الي طريق تحقيق اهدافها وعاياتها. و قد اعتبر الاسلام نفسه مسؤولان عن الاهداف و الغايات و تحديد و توضيح الطريق لتحقيقها، و فيما عدا ذلك ترك الانسان حراً. و بذلك حال دون اي نوع من التعارض او التصادم مع التطور الحضاري و الثقافي.. فمن غير الممكن ان تجد في الاسلام بعداً مادياً او جانباً صورياً حظي بالقداسه، و حث المسلم علي الاعتناء به و الحفاظ عليه. و من هنا فإن الاحتزاز من التقاطع و التعارض مع التقدم العلمي و الحضاري، يعد احدي خصوصيات الاسلام التي سهلت عمليه استجابه هذا الدين لمقتضيات العصر، و ازالت عقبه كبري من امام بقائه و خلوده.
رابعاً. سر الخاتميه الآخر لهذا الدين و الدليل علي ازليته، و الذي هو وليد الانسجام و التوافق مع النواميس الفطريه ايضاً، هو ان الاسلام شرع احكاماً ثابته تلبي الاحتياجات الثابته و الدائمه للانسان. كما اخذ بنظر الاعتبار الجانب المتغير لاحوال الانسان و اوضاعه المتحوله و المتبدله. فكما نعلم ان بعضاً من احتياجات الانسان، سواء علي الصعيد الفردي او الجماعي، لها وضع ثابت و هي واحده في كل الاوقات. فهناك النظام الذي ينبغي للانسان ان يجسده بغرائزه، و هو ما يسمي بـ«اخلاق». و هناك النظام الذي ينبغي ان يقدمه للمجتمع، و هو ما يطلق عليه بـ«العداله». و هناك صوره العلاقه التي ينبغي ان تكون للانسان مع خالقه، و تجدد ايمانه و تكمله، و هي ما يطلق عليها بـ«العباده». و هكذا.
اما القسم الآخر من احتياجات الانسان فهو متغير، و من حيث القانون يتطلب وضعاً متغيراً. و قد اخذ الاسلام احتياجات الانسان المتغيره هذه بنظر الاعتبار و رسم لها وضعاً متغيراً، و ربط هذا الوضع المتغير بالاصول الثابته التي لايطالها التغيير. و ان هذه الاوصل الثابته تشرع قانوناً فرعياً خاصاص و مناسباً متي ما طرأ اي وضع جديد. و سوف نكتفي هذا بذكر نموذجين.
النموذج الاول، توجد في الاسلام قاعده اجتماعيه ينص عليها القرآن الكريم تقول: «و اعدوا لهم ما استطعتم من قوه».. و من جهه اخري وردت في السنه النبويه الشريفه من الاحكام و التعاليم تعرف في الفقه باسم «السبق و الرمايه.. و الفروسيه و الرمايه هما من الفنون العسكريه في ذلك العصر، و كانتا من افضل الوسائل لامتلاك القوه و الشوكه في مقابل العدو.. ان جذور و اصول قانون «السبق و الرمايه» تمتد الي قاعده «و اعدوا لهم ما استطعتم من قوه». و هذا يعني ان الفرس و السيف و الحربه بحد ذاتها لا تتمتع بالاصاله في نظر الاسلام، و لا تعتبر من الاهداف الاسلاميه. بل الذي يحظي بالاصاله هو انه ينبغي للمسلمين في كل عصر و مصر ان يتسلحوا بالقوه و القدره الي اقصي حد ممكن من الناحيه العسكريه و الدفاعيه، في مواجهه العدو.. في الحقيقه ان المهاره في الرمايه و الفروسيه كانت في ذلك العصر تمثل المظهر العملي لاقتدار، و احد مظاهر القوه – فضروره الظهور بمظهر المقتدر في مقابل العدو، هو قانون ثابت ناتج عن احتياج ثابت و دائم. اما ضروره المهاره في الرماله و الفروسيه فهي مظهر لاحتياج موقت يتغير بتغير مقتضيات الزمان و تطور العناصر الثقافيه و الفنيه، و تحل محله – علي سبيل المثال- ضروره كسب المهاره في استخدام اسلحه العصر، الي غير ذلك من مستلزمات الاقتدار في مواجهه العدو.
النموذج الآخر، قول النبي الاكرم : طلب العلم فريضه علي كل مسلم و مسلمه. و قد اثبت علماء الاسلام وجوب كسب العلم من وجهه نظر الاسلام في حالين: الاولي، اذا كان تحصيل الايمان يتم عن طريق العلم. و الثانيه اذا كان اداء واجب ما يستلزم وجوده. ففي الحال الثانيه يقولون ان طلب العلم واجب لانه يعد الانسان و يهيئه للعمل و اداء التكليف. و هذا يعني ان تحصيل العلوم من حيث الوجوب و عدمه يتباين بتباين متطلبات العصر. ففي عصر ما كان اداء التكاليف الاسلاميه حتي المسؤوليات الاجتماعيه، من قبيل التجاره و الصناعه و السياسه و امثال ذلك لا يتطلب كثيراً كسب العلم. فالتجارب البسيطه كانت وحدها كافيه. بيد انه في زمن آخر من قبيل عصرنا، يصبح اداء هذه المسؤوليات علي درجه من التعقيد و الصعوبه بحيث يحتاج الي سنوات من الدرس و التخصص، لكي يتسني اداء التكاليف و الواجبات الاسلاميه الاجتماعيه – الواجبات الكفائيه – و كذلك فان تحصيل العلوم السياسيه و الاقتصاديه و الفنيه و امثال ذلك، كانت في عصر ما غير واجبه؛ الا انها في عصر آخر اصبحت من الضروريات. لماذا؟ لان قاعده ضروره الحفاظ علي كرامه و عزه و استقلال المجتمع الاسلامي، التي هي اصل ثابت و دائم، لا تتحقق في ظروف هذا العصر من غير كسب العلم، و ان اداء هذا الواجب لن يتحقق في صوره واحده في جميع الظروف و الازمنه المختلفه. و في هذا المجال يمكن ذكر امثله كثيره من هذا النوع.
خامساً. من الجوانب الاخر التي تدل علي انسجام التعاليم الاسلاميه مع الفطره و الطبيعه، و التي اهلتها لان تتمتع بامكانيه البقاء و الخلود؛ التلازم بين العله و المعلول للاحكام الاسلاميه مع المنافع و المفاسد الواقعيه التي جزئت علي ضوئها الاحكام. اذ يصرح الاسلام بان الاحكام تتبع سلسله من المصالح و المفاسد الحقيقيه، و ان هذه المصالح و المفاسده لا تكون في مستوي واحد. و قد ادي ذلك لان يفتح باب خاص في الفقه الاسلامي باسم باب «التزاحم» او «الاهم و المهم»، الذي سهل عمل الفقهاء و علماء الاسلام في الحالات التي تجتمع او تتقاطع فيها المصالح و المفاسد المختلفه. و سمح الاسلام لعلماء الامه في مثل هذه الحالات ان يقارنوا بين درجه اهميه المصالح بالالتفات الي توجيهات الاسلام و ارشاداته، و بالتالي ترجيح المصالح الاكثر اهميه علي المصالح المهمه، و الخروج من الطريق المسدود. و مما يروي عن الرسول الاكرم قوله: «اذا اجتمعت حرمتان طرحت الصغري للكبري»؛ و ينقل ابن الاثير في النهاله هذا الحديث ثم يضيف: اي اذا كان امر فيه منفعه لناس عامه و مضره علي الخاصه، قدمت منفعه العامه.. ان هذا الذي اشار اليه ابن الاثير هو احدي الحالات التي تقدم فيها المصلحه الاهم علي المصلحه الادني. علماً ان مفاد الحديث لا ينحصر في هذه المواضع فحسب.
فعلي سبيل المثال ان تشريح جسد الميت، الذي يعد في عصرنا الحاضر ضرورياً للتقدم العلمي، هو احد مصاديق باب «التزاحم». فنحن نعلم ان الاسلام اكد احترام جسد الميت المسلم و الاسراع في مراسم تجهيزه و دفنه، و اعتبر ذلك امراً ضرورياً. الا اننا نري من جهه اخري ان جانباً مهماً من البحوث و التحقيقات الطبيه في عصرنا متوقفه علي التشريح.. مصلحتان تقفان في اتجاهين متعاكسين. فمن البديهي ان ترجح هنا مصلحه البحوث و التحقيقات الطبيه علي مصلحه احترام جسد الميت و الاسراع في تجهيزه و دفنه.. ففي حال الاقتصار علي جسد الميت المسلم، و عدم كفاله غير المسلم، و مع ترجيح الميت المجهول علي الميت المعروف، و مراعاه بعض المسائل الاخري؛ فانه و حسب قاعده «الاهم المهم» تنتفي الحرمه و يزول المنع عن تشريح جسد الميت المسلم. و لهذه القاعده امثله كثيره اخر.
سادساً. من الامور الاخر التي منحت التعاليم و الاحكام الاسلاميه سمه المرونه و الحركيه و ابقتها حيه خالده؛ وجود سلسله من القواعد و الاحكام الضابطه و المتحكمه التي استقرت في صلب التعاليم الاسلاميه؛ و قد اطلق عليها الفقهاء تعبيراً بديعاً اذ اسموها بـ«القواعد الحاكمه»؛ اي القواعد التي لها سلطه علي جميع الاحكام و القوانين الاسلاميه و تتحكم فيها. و مثل هذه القواعد بشبه الي حد كبير المحققين من الدرجه الاولي الذين يتابعون مسيره القوانين و يشرفون علي تنفيذها. و ان كلاً من قاعده «الحرج» و قاعده «لا ضرر» هما من هذه الفئه. في الحقيقه ان الاسلام اعطي لهذه القواعد ما يشبه حق النقض «الفيتو» في عصرنا الحاضر،
وهناك الكثير ايضا والعديد من هذه الامور التي تجعل الاسلام قمة في احترام العقل الانساني ومناقشته ومحاورته نسال الله ان يرزقنا عقلا واعيا فاهما ونسال الله الهداية للجميع
تحياتي لكم
اذا ما رغب قانون يتسم بالخلود، في الاحاطه بجميع مراحل الحياه المتحوله، و في ايجاد حلول ناجعه لمشكلات الانسان بما يتناسب و طبيعه كل مشكله؛ فلا مفر له من التحلي بنوع من الديناميكيه و المرونه، متخلياً عن الخشونه و الجمود الذي يرفض المرونه و مواكبه العصر.
و فيما يلي نريد ان نري كيف ان الاسلام، مع الحفاظ علي اصل «حلال محمد حلال الي يوم القيامه، و حرام محمد حرام الي يوم القيامه»، يقدم حلو لا متنوعه لصور الحياه المختلفه، فلا ريب في وجود اسرار كامنه اتسم بها نظام التشريع الاسلامي، تمكنه من التغلب علي هذه المشكله المستعصيه.
ان رموز و اسرار روح الاسلام المنطقيه، كامنه في ارتباطه الكامل بفطره الانسان و طبيعه المجتمع و العالم.. اذ ان الاسلام اعلن صراله من خلال تشريعاته و احكامه، عن احترامه للفطره و ارتباطه بالقوانين الفطريه. و هذا ما أهله لان تحظي تشريعاته بالبقاء و الخلود.
و بامكاننا التعرف علي مدي ارتكاز الاسلام و استناده الي الفطره و ارتباطه بها، من خلال الخصوصيات التاليه:
اولاً: قبول العقل و ادخاله في حريم الدين: لا يوجد دين يؤمن بالعقل و يرتبط به ارتباطاً وثيقاً، كالدين الاسلامي.. فهل يمكن العثور علي دين يعرف العقل كواحد من مصادر احكامه؟ لقد حدد فقهاء الاسلام مصادر الشريعه و ادلتها في اربعه: الكتاب و السنه و الاجماع و العقل؛ لانهم يؤمنون بالعلاقه الوثيقه بين الشرع و العقل. و قد اطلقوا عليها اسم «قاعده الملازمه»، اذ يقولون: «كل ما حكم به العقل حكم به الشرع؛ و كل ما حكم به الشرع حكم به العقل».
ان العقل بامكانه ان يكتشف قانوناً في الفقه الاسلامي، كما يتمكن من تقييده و تحديده او تعميمه. كذلك باستطاعته ان يكون مرشداً جيداً في الاستنباط من المصادر و الادله الاخر.. و ان هذه المكانه التي يوليها الاسلام للعقل نابغه من كون الاحكام الاسلاميه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بواقع الحياه، اذ ان الاسلام لم يطرح تعاليمه بصوره رموز غامضه مستعصيه علي الحل.
ثانياً. الشموليه، و حسب تعبير القرآنت «الوسطيه». ان التوجه الاحادي لاي قانون او مذهب، يقود دائماً الي نسخه و اضمحلاله، لان العومل المؤثره و المتحكمه في حياه الانسان كثيره جداً؛ و ان تجاهل اي واحد منها يؤدي بصوره تلقائيه الي عدم التوازن و التعادل. و من اهم مستلزمات البقاء و الخلود، الالتفات الي الجوانب الماديه و الروحيه و الفرديه و الاجتماعيه و الاهتمام بها. و ان شموليه التعاليم الاسلاميه و جامعيتها، محل تأييد علماء الاسلام كافه.
ثالثاً. لم يهتم الاسلام مطلقاً بمظاهر الحياه و شكلها و صورتها؛ بل اولت التعاليم الاسلاميه اهتماماً بالروح و المعنويات، و بالسبيل الذي يأخذ بيد الانسان الي طريق تحقيق اهدافها وعاياتها. و قد اعتبر الاسلام نفسه مسؤولان عن الاهداف و الغايات و تحديد و توضيح الطريق لتحقيقها، و فيما عدا ذلك ترك الانسان حراً. و بذلك حال دون اي نوع من التعارض او التصادم مع التطور الحضاري و الثقافي.. فمن غير الممكن ان تجد في الاسلام بعداً مادياً او جانباً صورياً حظي بالقداسه، و حث المسلم علي الاعتناء به و الحفاظ عليه. و من هنا فإن الاحتزاز من التقاطع و التعارض مع التقدم العلمي و الحضاري، يعد احدي خصوصيات الاسلام التي سهلت عمليه استجابه هذا الدين لمقتضيات العصر، و ازالت عقبه كبري من امام بقائه و خلوده.
رابعاً. سر الخاتميه الآخر لهذا الدين و الدليل علي ازليته، و الذي هو وليد الانسجام و التوافق مع النواميس الفطريه ايضاً، هو ان الاسلام شرع احكاماً ثابته تلبي الاحتياجات الثابته و الدائمه للانسان. كما اخذ بنظر الاعتبار الجانب المتغير لاحوال الانسان و اوضاعه المتحوله و المتبدله. فكما نعلم ان بعضاً من احتياجات الانسان، سواء علي الصعيد الفردي او الجماعي، لها وضع ثابت و هي واحده في كل الاوقات. فهناك النظام الذي ينبغي للانسان ان يجسده بغرائزه، و هو ما يسمي بـ«اخلاق». و هناك النظام الذي ينبغي ان يقدمه للمجتمع، و هو ما يطلق عليه بـ«العداله». و هناك صوره العلاقه التي ينبغي ان تكون للانسان مع خالقه، و تجدد ايمانه و تكمله، و هي ما يطلق عليها بـ«العباده». و هكذا.
اما القسم الآخر من احتياجات الانسان فهو متغير، و من حيث القانون يتطلب وضعاً متغيراً. و قد اخذ الاسلام احتياجات الانسان المتغيره هذه بنظر الاعتبار و رسم لها وضعاً متغيراً، و ربط هذا الوضع المتغير بالاصول الثابته التي لايطالها التغيير. و ان هذه الاوصل الثابته تشرع قانوناً فرعياً خاصاص و مناسباً متي ما طرأ اي وضع جديد. و سوف نكتفي هذا بذكر نموذجين.
النموذج الاول، توجد في الاسلام قاعده اجتماعيه ينص عليها القرآن الكريم تقول: «و اعدوا لهم ما استطعتم من قوه».. و من جهه اخري وردت في السنه النبويه الشريفه من الاحكام و التعاليم تعرف في الفقه باسم «السبق و الرمايه.. و الفروسيه و الرمايه هما من الفنون العسكريه في ذلك العصر، و كانتا من افضل الوسائل لامتلاك القوه و الشوكه في مقابل العدو.. ان جذور و اصول قانون «السبق و الرمايه» تمتد الي قاعده «و اعدوا لهم ما استطعتم من قوه». و هذا يعني ان الفرس و السيف و الحربه بحد ذاتها لا تتمتع بالاصاله في نظر الاسلام، و لا تعتبر من الاهداف الاسلاميه. بل الذي يحظي بالاصاله هو انه ينبغي للمسلمين في كل عصر و مصر ان يتسلحوا بالقوه و القدره الي اقصي حد ممكن من الناحيه العسكريه و الدفاعيه، في مواجهه العدو.. في الحقيقه ان المهاره في الرمايه و الفروسيه كانت في ذلك العصر تمثل المظهر العملي لاقتدار، و احد مظاهر القوه – فضروره الظهور بمظهر المقتدر في مقابل العدو، هو قانون ثابت ناتج عن احتياج ثابت و دائم. اما ضروره المهاره في الرماله و الفروسيه فهي مظهر لاحتياج موقت يتغير بتغير مقتضيات الزمان و تطور العناصر الثقافيه و الفنيه، و تحل محله – علي سبيل المثال- ضروره كسب المهاره في استخدام اسلحه العصر، الي غير ذلك من مستلزمات الاقتدار في مواجهه العدو.
النموذج الآخر، قول النبي الاكرم : طلب العلم فريضه علي كل مسلم و مسلمه. و قد اثبت علماء الاسلام وجوب كسب العلم من وجهه نظر الاسلام في حالين: الاولي، اذا كان تحصيل الايمان يتم عن طريق العلم. و الثانيه اذا كان اداء واجب ما يستلزم وجوده. ففي الحال الثانيه يقولون ان طلب العلم واجب لانه يعد الانسان و يهيئه للعمل و اداء التكليف. و هذا يعني ان تحصيل العلوم من حيث الوجوب و عدمه يتباين بتباين متطلبات العصر. ففي عصر ما كان اداء التكاليف الاسلاميه حتي المسؤوليات الاجتماعيه، من قبيل التجاره و الصناعه و السياسه و امثال ذلك لا يتطلب كثيراً كسب العلم. فالتجارب البسيطه كانت وحدها كافيه. بيد انه في زمن آخر من قبيل عصرنا، يصبح اداء هذه المسؤوليات علي درجه من التعقيد و الصعوبه بحيث يحتاج الي سنوات من الدرس و التخصص، لكي يتسني اداء التكاليف و الواجبات الاسلاميه الاجتماعيه – الواجبات الكفائيه – و كذلك فان تحصيل العلوم السياسيه و الاقتصاديه و الفنيه و امثال ذلك، كانت في عصر ما غير واجبه؛ الا انها في عصر آخر اصبحت من الضروريات. لماذا؟ لان قاعده ضروره الحفاظ علي كرامه و عزه و استقلال المجتمع الاسلامي، التي هي اصل ثابت و دائم، لا تتحقق في ظروف هذا العصر من غير كسب العلم، و ان اداء هذا الواجب لن يتحقق في صوره واحده في جميع الظروف و الازمنه المختلفه. و في هذا المجال يمكن ذكر امثله كثيره من هذا النوع.
خامساً. من الجوانب الاخر التي تدل علي انسجام التعاليم الاسلاميه مع الفطره و الطبيعه، و التي اهلتها لان تتمتع بامكانيه البقاء و الخلود؛ التلازم بين العله و المعلول للاحكام الاسلاميه مع المنافع و المفاسد الواقعيه التي جزئت علي ضوئها الاحكام. اذ يصرح الاسلام بان الاحكام تتبع سلسله من المصالح و المفاسد الحقيقيه، و ان هذه المصالح و المفاسده لا تكون في مستوي واحد. و قد ادي ذلك لان يفتح باب خاص في الفقه الاسلامي باسم باب «التزاحم» او «الاهم و المهم»، الذي سهل عمل الفقهاء و علماء الاسلام في الحالات التي تجتمع او تتقاطع فيها المصالح و المفاسد المختلفه. و سمح الاسلام لعلماء الامه في مثل هذه الحالات ان يقارنوا بين درجه اهميه المصالح بالالتفات الي توجيهات الاسلام و ارشاداته، و بالتالي ترجيح المصالح الاكثر اهميه علي المصالح المهمه، و الخروج من الطريق المسدود. و مما يروي عن الرسول الاكرم قوله: «اذا اجتمعت حرمتان طرحت الصغري للكبري»؛ و ينقل ابن الاثير في النهاله هذا الحديث ثم يضيف: اي اذا كان امر فيه منفعه لناس عامه و مضره علي الخاصه، قدمت منفعه العامه.. ان هذا الذي اشار اليه ابن الاثير هو احدي الحالات التي تقدم فيها المصلحه الاهم علي المصلحه الادني. علماً ان مفاد الحديث لا ينحصر في هذه المواضع فحسب.
فعلي سبيل المثال ان تشريح جسد الميت، الذي يعد في عصرنا الحاضر ضرورياً للتقدم العلمي، هو احد مصاديق باب «التزاحم». فنحن نعلم ان الاسلام اكد احترام جسد الميت المسلم و الاسراع في مراسم تجهيزه و دفنه، و اعتبر ذلك امراً ضرورياً. الا اننا نري من جهه اخري ان جانباً مهماً من البحوث و التحقيقات الطبيه في عصرنا متوقفه علي التشريح.. مصلحتان تقفان في اتجاهين متعاكسين. فمن البديهي ان ترجح هنا مصلحه البحوث و التحقيقات الطبيه علي مصلحه احترام جسد الميت و الاسراع في تجهيزه و دفنه.. ففي حال الاقتصار علي جسد الميت المسلم، و عدم كفاله غير المسلم، و مع ترجيح الميت المجهول علي الميت المعروف، و مراعاه بعض المسائل الاخري؛ فانه و حسب قاعده «الاهم المهم» تنتفي الحرمه و يزول المنع عن تشريح جسد الميت المسلم. و لهذه القاعده امثله كثيره اخر.
سادساً. من الامور الاخر التي منحت التعاليم و الاحكام الاسلاميه سمه المرونه و الحركيه و ابقتها حيه خالده؛ وجود سلسله من القواعد و الاحكام الضابطه و المتحكمه التي استقرت في صلب التعاليم الاسلاميه؛ و قد اطلق عليها الفقهاء تعبيراً بديعاً اذ اسموها بـ«القواعد الحاكمه»؛ اي القواعد التي لها سلطه علي جميع الاحكام و القوانين الاسلاميه و تتحكم فيها. و مثل هذه القواعد بشبه الي حد كبير المحققين من الدرجه الاولي الذين يتابعون مسيره القوانين و يشرفون علي تنفيذها. و ان كلاً من قاعده «الحرج» و قاعده «لا ضرر» هما من هذه الفئه. في الحقيقه ان الاسلام اعطي لهذه القواعد ما يشبه حق النقض «الفيتو» في عصرنا الحاضر،
وهناك الكثير ايضا والعديد من هذه الامور التي تجعل الاسلام قمة في احترام العقل الانساني ومناقشته ومحاورته نسال الله ان يرزقنا عقلا واعيا فاهما ونسال الله الهداية للجميع
تحياتي لكم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى