- هيثم الساعىعضو نشيط
- عدد الرسائل : 68
العمر : 50
الجنس :
الدوله :
العمل :
المزاج :
الهوايه :
عدد النقاط : 16949
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 03/07/2009
شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة الجزء الثانى
الخميس يوليو 23, 2009 4:52 pm
وقد سميته شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة . هذا ما يَسّر الله لي جمعه . فما كان من صواب فمن الواحد المنّان ، وما كان من خطاءٍ فمني ومن الشيطان والله برئ منه ورسوله . والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل خالصاً لوجه الكريم ، مقرباً ، لجامعه ، وقارئه ن وطابعه من جنات النعيم وأن يجعله حجة لنا ولا يجعله حجة علينا ، وأن ينفع به جامعه ، ومن انتهى إليه إنه خير مسؤول ، وأكرم مأمول ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى .
سعيد بن علي بن وهف القحطاني .
ليلة السبت 12/7/1409هـ .
المبحث الأول : أٍسماء الله تعالى توقيفية .
أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص ، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى ( ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمي به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص .
المبحث الثاني : أركان الإيمان بالأسماء الحسنى .
1-الإيمان بالاسم .
2-الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى .
3-الإيمان بما يتعلق به من الآثار .
فنؤمن بأن الله رحيمٌ ذو رحمة وسعت كل شئ ، ويرحم عباده . قدير ذو قدرة ، ويقدر على كل شئ . غفور ذو مغفرة ويغفر لعباده .
المبحث الثالث : أقسام ما يوصف به الله تعالى .
قال ابن القيم رحمة الله تعالى :
ما يجري صفة أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسام :
أحدها : ما يرجع إلى نفس الذات كقولك : ذات ، وموجود ، وشئ .
الثاني : ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم ، والقدير ، والسميع .
الثالث : ما يرجع إلى أفعاله نحو : الخالق ، والرزاق .
الرابع : ما يرجع إلى التنـزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتاً إذ لإكمال في العدم المحض كالقدوس السلام .
الخامس : ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد نحو : المجيد ، العظيم ، الصمد ، فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا فإنه موضوع للسعة ، والكثرة ، والزيادة ، فمنه استمجد المرخ والغفار وأمجد الناقة علفاً . ومنه ( رب العرش المجيد ) صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه . وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترناً بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم ، لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه فأتى في هذا المطلوب باسم تقتضيه كما تقول : أغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ولا يَحسن إنك أنت السميع البصير فهو راجع إلى المتوسل إليه بأسمائه وصفاته وهو أقرب الوسائل وأحبها إليه . ومنه الحديث الذي في المسند والترمزي (( ألظُّوا بياذا الجلال والإكرام )) ومنه ((اللهم بإني أسلك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام)) فهذا سؤال له وتوسل إليه وبحمده وأنه الذي لا إله إلا هو المنان فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعاً عند المسؤول وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارة وقد فُتحَ لمن بصره الله . ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفات عديدة . فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال . وكذلك الصمد قال ابن عباس : هو السيد الذي كمل في سؤدده وقال ابن وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده . وقال عكرمة ليس فوقه أحد وكذلك قال الزجاج : الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شئ . وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة إن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم . واشتقاقه يدل على هذا فإنه من الجمع والقصد الذي اجتمع القصد نحوه واجتمعت فيه صفات السؤدد وهذا أصله في اللغة كما قال .
الأبكر الناعي بخيـر بني أسـد
بعمرو بن يربوع وبالسيد الصمد
والعرب تسمى أشرافها بالصمد لاجتماع قصد القاصدين إليه واجتماع صفات السيادة فيه .
السادس صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو : الغني الحميد ، العفو القدير ، الحميد المجيد . وهكذا عامة الصفات المقترنة بالأسماء المزدوجة في القرآن فإن الغنى صفة كمال والحمد كذلك واجتماع الغني مع الحمد كمال آخر فله ثناء من غناه ، وثناء من حمده ، وثناء من اجتماعهما ، وكذلك العفو القدير ، والحميد المجيد ، والعزيز الحكيم ، فتأمله فإنه من أشرف المعارف . وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية . والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتاً كقوله تعالى ) لا تأخذه سنة ولا نوم ( فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته وكذلك قوله تعالى ) وما مسنا من لغوب ( متضمن لكمال قدرته وكذلك قوله ) وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ( متضمن لكمال علمه وكذلك قوله ) لم يلد ولم يولد ( متضمن لكمال صمديته وغناه وكذلك قوله ) ولم يكن له كفواً أحد ( متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له . وكذلك قوله تعالى ) لا تدركه الأبصار ( متضمن لعظمته وأنه جل عن أن يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب .
المبحث الرابع : دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع .
أسماء الله كلها حُسنى ، وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق ، وكلها مشتقة من أوصافها ، فالوصف فيها لا ينافي العلمية ، والعلمية لا تنافي الوصف ، ودلالتها ثلاثة أنواع :
دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله .
ودلالة تَضمُّن إذا فسرناه ببعض مدلوله .
ودلالة التزام إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها . فمثلاً (الرحمن) دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة . وعلى أحدهما دلالة تضمن ؛ لأنها داخلة في الضمن ، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة والعلم والإرادة ، والقدرة ، ونحوها دلالة التزام ، وهذه الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل ، ويتفاوت فيها أهل العلم ، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ وما يدل عليه من المعنى وفهمته فهماً جيداً ففكر فيما يتوقف عليه ولا يتم بدونه . وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية فدلالاتها الثلاث كلها حجة لأنها معصومة محكمة .
المبحث الخامس : حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى .
وحقيقة الإلحاد فيها هو الميل بها عن الاستقامة إما بإثبات المشاركة فيها لأحدٍ من الخلق ، كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلتهم من صفات الله ما لا يصلح إلا الله ، كتسميتهم اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنّان ، وكل مشرك تعلق بمخلوق اشتق لمعبوده من خصائص الربوبية والإلهية ما بَّرر له عبادته . وأعظم الخلق إلحاداً طائفة الإتحادية الذين من قولهم : إن الرب عين المربوب ، فكل اسم ممدوح أو مذموم يطلق على الله عندهم ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً . وإما أن يكون الإلحاد ينفي صفات الله وإثبات أسماء لا حقيقة لها كما فعل الجهمية ومن تفرع عنهم ، وإما يجحدها وإنكارها رأس إنكاراً لوجود الله كما فعل زنادقة الفلاسفة فهؤلاء الملحدون قد انحرفوا عن الصراط المستقيم يمموا طرق الجحيم .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : قال تعالى ) ولله الأسماء الحُسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ( والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته ل ح د . فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط . ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل . قال ابن السكيت الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه . ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك . وقوله تعالى ) ولن تجد من دونه ملتحدا ( أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل إليه فتميل إليه من غيره . تقول العرب : التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه . إذا عرف هذا الإلحاد في أسمائه تعالى أنواع :
أحدهما : أن تُسمَّى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية والعزى من العزيز . وتسميتهم الصنم إلاهاً وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة .
الثاني : تسميته بما لا يليق بجلالة كتسمية النصارى له أباً وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك .
وثالثها : وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود : إنه فقير . وقولهم : إنه استراح بعد أن خلق خلقه . وقولهم ) يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ( وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته .
ورابعها : تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع ، والبصير ، والحي ، والرحيم ، والمتكلم ، والمريد ، ويقولون : لا حياة له ولا سمع ، ولا بصر ، ولا كلام ، ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً ، وشرعاً ، ولغة ، وفطرة وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب . وكل من جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر .
وخامسها : تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً . فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها ، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرَّا الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ، ولم يجحدوا صفاته ، ولم يشبهوها بصفات خلقه ، ولم يعدلوا بها عما أنـزلت عليه لفظاً ولا معنىً بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه وتنـزيههم خالياً من التعطيل لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنماً أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدماً . وأهل السنة وسط في النِحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل ، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء . فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب .
يتبع
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى .
سعيد بن علي بن وهف القحطاني .
ليلة السبت 12/7/1409هـ .
المبحث الأول : أٍسماء الله تعالى توقيفية .
أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص ، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى ( ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمي به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص .
المبحث الثاني : أركان الإيمان بالأسماء الحسنى .
1-الإيمان بالاسم .
2-الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى .
3-الإيمان بما يتعلق به من الآثار .
فنؤمن بأن الله رحيمٌ ذو رحمة وسعت كل شئ ، ويرحم عباده . قدير ذو قدرة ، ويقدر على كل شئ . غفور ذو مغفرة ويغفر لعباده .
المبحث الثالث : أقسام ما يوصف به الله تعالى .
قال ابن القيم رحمة الله تعالى :
ما يجري صفة أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسام :
أحدها : ما يرجع إلى نفس الذات كقولك : ذات ، وموجود ، وشئ .
الثاني : ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم ، والقدير ، والسميع .
الثالث : ما يرجع إلى أفعاله نحو : الخالق ، والرزاق .
الرابع : ما يرجع إلى التنـزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتاً إذ لإكمال في العدم المحض كالقدوس السلام .
الخامس : ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد نحو : المجيد ، العظيم ، الصمد ، فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا فإنه موضوع للسعة ، والكثرة ، والزيادة ، فمنه استمجد المرخ والغفار وأمجد الناقة علفاً . ومنه ( رب العرش المجيد ) صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه . وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترناً بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم ، لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه فأتى في هذا المطلوب باسم تقتضيه كما تقول : أغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ولا يَحسن إنك أنت السميع البصير فهو راجع إلى المتوسل إليه بأسمائه وصفاته وهو أقرب الوسائل وأحبها إليه . ومنه الحديث الذي في المسند والترمزي (( ألظُّوا بياذا الجلال والإكرام )) ومنه ((اللهم بإني أسلك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام)) فهذا سؤال له وتوسل إليه وبحمده وأنه الذي لا إله إلا هو المنان فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعاً عند المسؤول وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارة وقد فُتحَ لمن بصره الله . ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفات عديدة . فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال . وكذلك الصمد قال ابن عباس : هو السيد الذي كمل في سؤدده وقال ابن وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده . وقال عكرمة ليس فوقه أحد وكذلك قال الزجاج : الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شئ . وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة إن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم . واشتقاقه يدل على هذا فإنه من الجمع والقصد الذي اجتمع القصد نحوه واجتمعت فيه صفات السؤدد وهذا أصله في اللغة كما قال .
الأبكر الناعي بخيـر بني أسـد
بعمرو بن يربوع وبالسيد الصمد
والعرب تسمى أشرافها بالصمد لاجتماع قصد القاصدين إليه واجتماع صفات السيادة فيه .
السادس صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو : الغني الحميد ، العفو القدير ، الحميد المجيد . وهكذا عامة الصفات المقترنة بالأسماء المزدوجة في القرآن فإن الغنى صفة كمال والحمد كذلك واجتماع الغني مع الحمد كمال آخر فله ثناء من غناه ، وثناء من حمده ، وثناء من اجتماعهما ، وكذلك العفو القدير ، والحميد المجيد ، والعزيز الحكيم ، فتأمله فإنه من أشرف المعارف . وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية . والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتاً كقوله تعالى ) لا تأخذه سنة ولا نوم ( فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته وكذلك قوله تعالى ) وما مسنا من لغوب ( متضمن لكمال قدرته وكذلك قوله ) وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ( متضمن لكمال علمه وكذلك قوله ) لم يلد ولم يولد ( متضمن لكمال صمديته وغناه وكذلك قوله ) ولم يكن له كفواً أحد ( متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له . وكذلك قوله تعالى ) لا تدركه الأبصار ( متضمن لعظمته وأنه جل عن أن يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب .
المبحث الرابع : دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع .
أسماء الله كلها حُسنى ، وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق ، وكلها مشتقة من أوصافها ، فالوصف فيها لا ينافي العلمية ، والعلمية لا تنافي الوصف ، ودلالتها ثلاثة أنواع :
دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله .
ودلالة تَضمُّن إذا فسرناه ببعض مدلوله .
ودلالة التزام إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها . فمثلاً (الرحمن) دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة . وعلى أحدهما دلالة تضمن ؛ لأنها داخلة في الضمن ، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة والعلم والإرادة ، والقدرة ، ونحوها دلالة التزام ، وهذه الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل ، ويتفاوت فيها أهل العلم ، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ وما يدل عليه من المعنى وفهمته فهماً جيداً ففكر فيما يتوقف عليه ولا يتم بدونه . وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية فدلالاتها الثلاث كلها حجة لأنها معصومة محكمة .
المبحث الخامس : حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى .
وحقيقة الإلحاد فيها هو الميل بها عن الاستقامة إما بإثبات المشاركة فيها لأحدٍ من الخلق ، كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلتهم من صفات الله ما لا يصلح إلا الله ، كتسميتهم اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنّان ، وكل مشرك تعلق بمخلوق اشتق لمعبوده من خصائص الربوبية والإلهية ما بَّرر له عبادته . وأعظم الخلق إلحاداً طائفة الإتحادية الذين من قولهم : إن الرب عين المربوب ، فكل اسم ممدوح أو مذموم يطلق على الله عندهم ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً . وإما أن يكون الإلحاد ينفي صفات الله وإثبات أسماء لا حقيقة لها كما فعل الجهمية ومن تفرع عنهم ، وإما يجحدها وإنكارها رأس إنكاراً لوجود الله كما فعل زنادقة الفلاسفة فهؤلاء الملحدون قد انحرفوا عن الصراط المستقيم يمموا طرق الجحيم .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : قال تعالى ) ولله الأسماء الحُسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ( والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته ل ح د . فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط . ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل . قال ابن السكيت الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه . ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك . وقوله تعالى ) ولن تجد من دونه ملتحدا ( أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل إليه فتميل إليه من غيره . تقول العرب : التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه . إذا عرف هذا الإلحاد في أسمائه تعالى أنواع :
أحدهما : أن تُسمَّى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية والعزى من العزيز . وتسميتهم الصنم إلاهاً وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة .
الثاني : تسميته بما لا يليق بجلالة كتسمية النصارى له أباً وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك .
وثالثها : وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود : إنه فقير . وقولهم : إنه استراح بعد أن خلق خلقه . وقولهم ) يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ( وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته .
ورابعها : تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع ، والبصير ، والحي ، والرحيم ، والمتكلم ، والمريد ، ويقولون : لا حياة له ولا سمع ، ولا بصر ، ولا كلام ، ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً ، وشرعاً ، ولغة ، وفطرة وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب . وكل من جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر .
وخامسها : تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً . فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها ، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرَّا الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ، ولم يجحدوا صفاته ، ولم يشبهوها بصفات خلقه ، ولم يعدلوا بها عما أنـزلت عليه لفظاً ولا معنىً بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه وتنـزيههم خالياً من التعطيل لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنماً أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدماً . وأهل السنة وسط في النِحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل ، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء . فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب .
يتبع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى